الرئيسية / قصيدة النثر / غناء في الطريق للمقبرة .. افين حمو .. سوريا

غناء في الطريق للمقبرة .. افين حمو .. سوريا

الحانوتي وبائعو الأكفان والعطور يأتون
إلى بيتنا
يجلسون في صومعة قريبة
يسألون أبي
أين الفراشة التي اصطادها الظلام ؟
وبصوت مُنكسر يرد :
مازالت في الأدغال
تنبعث منها زخّات شهب
وصليل أصوات مجنونة هاربة ..
أنا هنا مُحاطةٌ بالكثير من النسوة العابرات
وجدّتي تمسح تعرقي
تحاول أن تُخفّف من دبيب النمل الذي في رأسي
وتسدل الستائر على ظل شجرة غضة ..
أمسك كتابي المقدس بيد
وأجمع العالم كله في قبضتي الأخرى ..
ااااااه يا أبي
لم تعد ذاك الماركسي الثائر
الذي يهرع لانتزاعي
من براثن الغارات القاتلة
بدوتَ اليوم كبدوي ضعيف وقع بين أيدي الشرطة
يجرونه لأنتزاع المعارك الطاحنة التي تدور في مُخيّلته..
وأنت يا أختاه
لن أكون لك بعد الآن تلك الأخت التي أمارس عليها شغفي
وأستمتع أن لا تكون مثلي
حتى لا تكرر اخطائي القاتلة ..
وأنتما يا أخويَّ الشقيّان
لن تعودا تتهافتان لمساعدتي
لن تكونا بحاجة لأن تكونا عكازين لجسدي لأسير إلى الأمام
فها هو النور يصنع لي جناحين
سأتعلّم الطيران بمفردي
دون ثمة شفقة
سألفّها مع الوقت
كما ألفت رسم وجوهكم بسحر غامض ..
وأنت يا أمي
لن أحتمي بك بعد الآن
أعلم جيدا كنتُ الفاشلة الوحيدة من العائلة
التي ستترك حياتها
قبل أن تتعلم العزف على البيانو وتعلم النوتة الموسيقية
كنتِ تُسمينني الفراشة العنيدة
لكنّني هذه الليلة استسلمت لصرخاتي الداخلية
لم أعد بحاجة لأوهم الآخرين بعدم خوفي من الخسارة
بتشبثي بالركن الخفي من الروح لأساير البعض
كنت أخاف الظلام
لكنني الآن محاطة
بالكثير الكثير من الضوء المبهر
أضع قدمي الحافية على وجه الحياة
فلم أعد مؤهّلة للوجود هنا
ولا أحتاج أن أُمسك بيدي المعمدان
لأقطع الجسر وأصل مُبتغاي
سأغنّي الآن للطريق
ويعلو الدهشة موكب المشيعين
فراشة خضراء
متوهّجة مستلقية على ظهر التابوت
وتغنّي للطريق إلى المقبرة !

……………………….