…
قالَتْ، كأنّكَ قد رميتَ سِواري | وهدمْتَ آمالي وَعِشْقَ نُضاري |
سُعدى إليكَ تمُدُّ أعناقَ الهوى | وإليكَ تطربُ عذبةَ الأوطارِ |
ماذا دهاكَ، لكي تُغادِرَ مُقلتي | وتزيحَ عهدَ العشقِ والسُّمّارِ؟ |
مَنْ ذا الذي يغتالُ عهدَ سعادةٍ | ويسيرُ ضدَّ مشيئةِ التيّارِ؟ |
يا مَنْ بها قطَّعْتُ حبلَ مودّتي | وَبِجاهليّتِها وأدْتُ عِثاري |
أوَ ما ترينَ الأُفْقَ وَشوشَ فجرَهُ | عن همسةٍ رقراقةِ الأذكارِ |
ألقَتْ على شرفاتِ مكّةَ رَحْلَها | فتعطّرَتْ أنفاسُ ذاكَ الغارِ |
وتهيّأتْ للوعدِ آمنةُ الّتي | ذاقَتْ شعورَ ولادَةِ الأنوارِ |
وكأنّما ميلادُ بُشرى أحمدٍ | عهدٌ جديدٌ من عهودِ الباري |
لا تعذليني إنْ كَرِهْتُ جَهالتي | وَعَشِقْتُ عهدَ نبيّنا المُختارِ |
فيهِ المكارِمُ والمغانِمُ جَمّةٌ | وسلي حليمةَ رَبّةَ الأظآرِ |
والجَدُّ كانَ لَهُ سياجَ طفولةٍ | والعَمُّ صدَّ كواسِرَ الأشرارِ |
وَبِهِ التّجارةُ أثمرَتْ لخديجةٍ | وَرِعايةٌ موسومَةُ الإيثارِ |
وهوَ الحليمُ الصّادِقُ البَرُّ الذي | بالحِجْرِ أصلحَ بينَهُمْ بِدِثارِ |
وبَحيرةٌ أوصى بِهِ، وَغَمامةٌ | تَرعاهُ في حِلٍّ وفي أسفارِ |
وهو الّذي جبريلُ قالَ لِصَدرِه | اقرأْ، فَرَبُّكَ كاشِفُ الإبصارِ |
فمضى تُدثّرُهُ خديجةُ، إنّها | قلبٌ وقاهُ بهبَّةِ الإعصارِ |
وسما أبو بكرٍ وأهلوهُ بما | قد جاءَ فيهِ، وَصَفْوَةُ الأخيارِ |
وعليُّ آمنَ فيهِ مِنْ فِتيانِهم | وبِلالُ، والرّوميُّ، وابنُ غِفاري |
بلغَ الصّحابَةُ أربعين، وأشرقَتْ | فيهم عيونُ النّورِ في الأمصارِ |
وإذا بمنْ عبدوا مَناةَ بِجَهْلِهم | يتعاهدون على أذى الأبرارِ |
صَبراً، فنورُ اللهِ يمحقُ ظُلمَهُم | وَيُطَوّقونَ عذابَكُمْ في النّارِ |
وإلى النّجاشي وَجِّهوا رَحلاً فلن | تلقَوا سوى التّرحيبِ والإكبارِ |
رَبّاهُ، عمَّ الحُزنُ، فاجبُرْ كسرَنا | واهْدِ الأنامَ إلى سَناكَ الجاري |
فَطَوى بِمِعراجِ السّماءِ همومَهُ | وأتى بمُعجزةٍ إلى الكُفّارِ |
قالوا: بِهِ مَسٌّ، وقالوا: شاعرٌ | ووجوهُهُمْ مُكتظّةُ الإبسارِ |
وتعاهدوا، وتوعّدوا، وتواعدوا | فَحثا الوجوهَ، وسارَ في الأسحارِ |
وَبِصاحِبٍ فازَتْ مفازتُهُمْ بما | حملَتْ لبيتٍ من بَني النّجّارِ |
طلعَ الحبيبُ بيثربٍ عَهْداً شَدا | كالبدرِ في ليلٍ بَهيمٍ ضارِ |
وَبنى قباءً ثُمَّ مسجدَهُ على | تقوى، وآخى الصّحْبَ بالأنصارِ |
فتفرعَنَ الأعداءُ حتّى يُطفئوا | نوراً، وغصَّ اللّؤمُ بالفُجّارِ |
ويهودُ يثرِبَ لم يصونوا عهدَهُمْ | فَقُريشُ صبّتْ حِقدَهُمِ في الدّارِ |
أُذِنَ القتالُ، واستدارَتْ قِبلَةٌ | وكأنّ “بَدراً” تحتَ مَرمى النّارِ |
نَصْرٌ، وأنفالٌ، وأسرى، كُلُّها | للمسلمينَ، وَرحمةُ القهّارِ |
ولّتْ حشودُ الشِّركِ تقرعُ سِنّها | نَدماً، تلوكُ الذُلَّ كالصّبّارِ |
ورنَتْ إلى أُحُدٍ لِتُنقذَ عِزّةً | وتجارةً، وتقولَ: عادَ فَخاري |
وامتازَ خُبْثٌ، والرُّماةُ تسابقوا | لِغَنائمٍ، والتفَّ نابُ سُعارِ |
شُجَّ الرّسولُ، وَأُسْدُهُ فيها ارتقوا | والقَرْحُ كانَ مطيّةَ الإكبارِ |
وَغلى سلولُ بِإِفْكِهِ، فتبرّأَتْ | أُمٌ بِنورٍ فاضَ بالإبرارِ |
وتواعدَ الأحزابُ كي يستأصلوا | نوراً، فباتوا في فَمِ الإعصارِ |
وبنو قُريظةَ حوصِروا، وتناثروا | وَتباعدَتْ فِتَنٌ عن الأسوارِ |
وَببيعةِ الرِّضوانِ صُلْحٌ قد رسا | فوقَ القلوبِ وَصِدقِها الموّارِ |
ورسائلٌ تهدي البلادَ كأنّها | شمسٌ تُطارِدُ ليلَ كُلِّ شَنارِ |
وَرسولُنا بالبيتِ طافَ، وحولَهُ | نورٌ يشعُّ وقوّةُ الأخيارِ |
وبمؤتةٍ للرّومِ جيشٌ جارِفٌ | قد أرهقتْهُ كتائبُ الكُرّارِ |
زيدٌ وعبدُاللهِ فيها قدّما | مَهْرَ اللّقا، وَبِجعفرِ الطّيّارِ |
وبخالدٍ رسموا فنونَ قِتالِهِمْ | كَرّاً، وما كانوا من الفُرّارِ |
وَلِفتحِ مكّةَ قد تهيّأَ فجرُهُ | وَبِنقْضِ عهْدٍ حلَّ عهدُ يَسارِ |
وَتَسربلوا بالعفوِ أحراراً معاً | مِنْ بعدِ شِرْكٍ مُرهِقِ الإثبارِ |
اللّاةُ قد درسَ الضّياءُ حُطامَها | وغدا الخضوعُ لواحدٍ جَبّارِ |
قُلْ جاءَ حَقٌّ، والوفودُ تدفّقَتْ | وانهارَ حِصنُ الشِّرْكِ والكُفّارِ |
واسألْ حُنَيناً أوْ تبوكَ وطائفاً | تُنْبِئْكَ عن نورِ الرّسولِ البارِ |
اليومَ قد أكملْتُ دينَ هدايةٍ | وَحَذارِ مِنْ ظُلْمِ النِّساءِ، حَذارِ |
لا ترجعوا بعدي إلى كُفْرٍ فقد | وضحَ السّبيلُ بمنهجي وَخياري |
غابَ الّذي أدّى أمانةَ رَبِّهِ | فَدَجَتْ دواجٍ رَحبةُ الإضرارِ |
يا نورَ هذا الدّينِ، كيفَ تركْتَنا | فالقومُ بينَ مَباضعِ الجَزّارِ |
أعداؤنا نَفثوا سمومَ صدورِهِمْ | لنكونَ نحنُ وقودَ شِرْكٍ هارِ |
عادَتْ إلى آثارِ سُعدى أُمّتي | وَتَغافَلَتْ عنْ شِرعَةِ المُختارِ |
رَبّاهُ، ألبِسْنا رِضاكَ وَمَوْرِداً | قبلَ المماتِ لِنورِكَ المِدرارِ |
ثُمّ الصّلاةُ على النّبيّ وآلِهِ | ما دارت الأفلاكُ في الأقطارِ |